في أعماق بحيرة نيمي، تحت سماء الإمبراطورية الرومانية، بُنيت سفينتان عظيمتان في القرن الأول الميلادي، في عهد الإمبراطور كاليجولا، تعكسان مدى الرفاهية والابتكار في ذلك العصر. السفينة الأكبر منهما كانت ليست مجرد مركبًا، بل قصرًا عائمًا حقيقيًا، مزودًا بكل ما يلزم من الرخام وأرضيات الفسيفساء وأنظمة التدفئة والسباكة الداخلية، وحتى الحمامات.

على مدى قرون، كانت هذه السفن موضع إعجاب وفضول الصيادين المحليين. في القرن الخامس عشر، تم تسليط الضوء على وجودها من قبل الكاردينال بروسبيرو كولونا وليون باتيستا ألبرتي، حيث عُثر على الحطام على عمق 18.3 متر تحت سطح الماء، وهو عمق كان يُعتبر في ذلك الوقت عميقًا جدًا لعمليات الاستخراج.

تغير كل شيء في عام 1927، عندما أمر الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني بتصريف بحيرة نيمي لاستعادة هذه الكنوز الغارقة. استغرقت عملية الاستعادة عدة سنوات، مليئة بالتحديات والعقبات، من تفجرات الطين إلى الانهيارات في قاع البحيرة، ولم تُكتمل حتى عام 1932.

السفينة الأولى كانت بطول 70 مترًا وعرض 20 مترًا، مع هيكل مقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية. أما السفينة الثانية، الأكبر حجمًا، فكانت بطول 73 مترًا وعرض 24 مترًا. كلا السفينتين كانتا تُظهران مستوىً متقدمًا من الهندسة والتصميم البحري، مستخدمتين طريقة فيتروفيوس في البناء، وهي تقنية بناء تقليدية رومانية تركز على الهيكل الخارجي للسفينة.

في ليلة 31 مايو 1944، خلال الحرب العالمية الثانية، دُمرت هذه السفن بشكل كامل بسبب حريق مأساوي. أدت ضربات قذائف الجيش الأمريكي إلى إلحاق أضرار طفيفة بالمتحف الذي كان يحتوي على السفن، لكنها في النهاية أجبرت القوات الألمانية على الانسحاب من المنطقة. بعد ذلك بوقت قصير، اندلع حريق هائل أدى إلى تدمير هذه الكنوز التاريخية.

على الرغم من الدمار الذي حل بالسفن، إلا أن بعض البرونز والأخشاب المتفحمة وبعض المواد المخزنة في روما نجت من الحريق. هذا الدمار تسبب في توقف الأبحاث حتى الثمانينيات. تم ترميم المتحف وإعادة فتحه في عام 1953، وتم بناء نماذج بنسبة واحد إلى خمسة من السفن في حوض بناء السفن البحري في نابولي. هذه النماذج، بالإضافة إلى القطع الأثرية المتبقية، تُعرض اليوم لتقديم نظرة فريدة على الهندسة والتصميم البحري الروماني وعلى الحياة الفاخرة في ذلك العصر.

تعد سفن نيمي شاهدًا حيًا على الإبداع الهندسي والحرفية الرومانية المتقدمة. ويُظهر اكتشافها ودراستها أهمية علم الآثار البحرية في فهم التاريخ الروماني والابتكارات التكنولوجية في ذلك الزمن. السفن لا تُعبر فقط عن القدرة الفنية العالية، بل تعكس أيضًا الرغبة في الفخامة والرفاهية التي كانت سمة بارزة للنخبة الرومانية.

بينما تظل السفن الأصلية مفقودة تحت أمواج التاريخ، فإن النماذج المُعاد بناؤها والقطع الأثرية المُستردة توفر نافذة ثمينة للأجيال الحديثة لاستكشاف وتقدير عظمة هذا الإرث الروماني. ومن خلال هذه الاكتشافات، يمكننا تقدير العمق والتعقيد الذي كان يتمتع به الفن والهندسة في العالم القديم.

معلومة
كان كاليجولا (12 – 41 ميلادي) معروفا بكونه أحد الأباطرة الرومانيين الأكثر جنونا وقسوة، رغم أن هناك اعتقادا بأن روايات ، من مؤرخين قدامى مفادها أنه نصب حصانه مستشارا، تصنف على أنها خرافة.

آخر تحديث: 2024-01-26 21:23:20

هل هناك اي خطأ في المعلومات؟ اتصل بنا